بقلم أحمد زيدان
بينما غابت الشمس خلف الأفق، كان الرجل الجالس في زاوية غرفته يشعر بثقل السنين وقد أصبح في الستين، يحمل في قلبه مرارة الوحدة وعبء الذكريات التي أثقلت كاهله. لم يكن أحد بجانبه في تلك اللحظة؛ لا صوت في المنزل سوى صوت ساعته التي تذكره بانقضاء الزمن. تلك الوحدة التي حاصرته بعد أن رحل عنه أحبته، وحاصره الفراغ، كانت تدفعه في كل ليلة لمناجاة ربه بضعف وانكسار.
لقد أصبح جليس وحدته وصديق ذكرياته، يعيش مع ذكريات بعيدة لأناس مضوا، وأماكن لم تعد كما كانت. تلك الوجوه التي كانت تملأ حياته بالدفء صارت الآن غائبة، وظل يتساءل عن مصيرهم، وأين ذهبوا، ولماذا تركوه هنا بمفرده. في الليل، عندما يشتد السكون من حوله، يجلس يناجي ربه ويقول: “يا رب، إلى متى ستظل هذه الوحدة ترافقني؟ إلى متى سيظل هذا الألم يعصر قلبي؟”
مع الأيام، أصبح شعوره بالفقد أقوى، وبدأ يُدرك أنه ربما كان كل هذا الألم رحلة تقوده إلى الله، فأصبح يختلي بنفسه ويقول: “يا رب، إنني أشعر بضعف لا أستطيع مقاومته، أشعر أنني مجرد روح تبحث عن الراحة بين يديك، أريد أن أذهب إلى بيتك، إلى حيث السلام والسكينة.” كان صوته يرتجف وهو يقول هذه الكلمات، كأنه يهمس بقلبه للسماء، أملاً في أن يُسمع ويُجيب الله دعوته.
فكّر الرجل في رحلة أخيرة إلى بيت الله، ربما تكون هي السبيل إلى السكينة التي يبحث عنها، عسى أن يجد في طواف الكعبة وفي الصلاة عند الحرم الراحة التي تنقذه من ثقل هذه الوحدة. لم يعد يسعى وراء أشياء الدنيا كما كان في شبابه، بل صار أمله أن يُقبل إليه الله وأن يغفر له زلاته ويمنحه قلباً مطمئناً. ظل يناجي ربه: “يا رب، اغفر لي، وارزقني بنعمة القرب منك، لأذهب إلى بيتك، وأعيش بقية أيامي في نورك”.
مع كل دعاء، كان يشعر براحة خفيفة تملأ قلبه، كأنه يسمع صوتاً داخلياً يطمئنه، ويشعره بأن الله قريب يسمعه ويعلم حاجته. كان يأمل أن يجد في هذا البيت ملاذاً لنفسه المتعبة، فسعى أن يكون دعاؤه مفتاحاً يقربه إلى الله، ويمنحه السلام الداخلي الذي ينشده.