هدنة الرسوم الجمركية بين الصين وأمريكا «التعاون هو الحل الأمثل»

أعلنت الصين والولايات المتحدة في جنيف مؤخرًا عن إلغاء 91٪ من الرسوم الجمركية المتبادلة وتعليق 24٪ منها، ليصل إجمالي التخفيض إلى 115٪، حيث أحدَثَ تفاعلًا كبيرًا في الأسواق العالمية، وأعادتِ الأملَ للشركات والمستهلكين في كلا البلدين، كما ارتفعت أسواقُ الأسهُمِ العالميةِ الرئيسية. إنه إنجاز تجاوز توقعات الجميع في مفاوضات التعريفات الجمركية بين البلدين.
يُعتبر هذا الاختراق الأهم عالميًا في تخفيف التوترات منذ شن الولايات المتحدة حرب التعريفات عام 2025، ويعكس المسؤولية الكبيرة التي أظهرتها قيادات الصين والولايات المتحدة في منع تفاقم الأوضاع السياسية والاقتصادية والتجارية عالميًا قبل وقوع أسوأ السيناريوهات، ويعني أيضًا بزوغ نور في أفق حرب الرسوم الجمركية، مما يعيد إشعال أمل العالم في استمرار تقدم العولمة.
قبل المحادثات، كانت الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات الصينية قد ارتفعت بشكل عام إلى 145٪، مع وصول ضرائب بعض السلع إلى 245٪، مما أدى إلى توقف التجارة البضائعية بين الجانبين.
انطلقتِ المحادثات بطلبٍ من الجانب الأمريكي، وتعد أولَ لقاء مباشر منذ أبريل الماضي، حين فرضت واشنطن رسوما جمركية مرتفعة على الوارداتِ الصينية، ما استدعى ردا صينيا سريعا.
وخلال يومين من الحوار الصريح والبنّاء، لم يقتصر الأمر على توصل البلدين إلى سلسلة من التفاهمات الإيجابية، بل تمكّنا أيضا من تحقيق خفضٍ كبير في مستوى التعريفاتِ الجمركيةِ المتبادلة، واتفقا بالإجماع على إنشاءِ آليةٍ للتشاورِ الاقتصاديِ والتجاري للحفاظ على التواصل بشأن اهتماماتِ بعضهما بعضا.التوافق المشترك، والإجراءات المتخذة، وتأسيس الآليات، هذه الركائز الثلاث تمثل تقدمًا ملموسًا في مسار المحادثات.
يكشف التقدم الكبير في المفاوضات التجارية بجنيف عن الرؤية الاستراتيجية والمسؤولية العالمية للاقتصادين الأكبر عالميًا، كما يجسد خطوة محورية للصين في دعم النظام التجاري متعدد الأطراف وإصلاح الحوكمة الاقتصادية العالمية.
تميزت المحادثات بمبادئ “الانفتاح المتبادل والحوار المستمر والتعاون المربح للجميع”، حيث أسهم التعديلُ التدريجي للتعريفات وبناءُ آليات تشاور مؤسسية ليس فقط في حل النزاعات الناجمة عن الانفرادية، بل أيضًا في رسم مسار جديد لإدارة الخلافات وتوسيع نقاط التلاقي في ظل المنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى.
هذا الإنجاز يثبت القدرة الاستراتيجية والعزيمة الراسخة للبلدين في معالجة الخلافات التجارية ودفع عجلة العلاقات الثنائية نحو استدامة طويلة الأمد.
لكن وعلى الرغم من هذه البداية المشجعة، فإن التحديات ما زالت ماثلة، خاصة في ظل الذاكرة الحيّة لانسحاب واشنطن من اتفاق 2018 بعد عشرة أيام فقط من توقيعه، وهو ما يشكّل جرس إنذار بضرورة الحذر والاستمرار في بناء الثقة المتبادلة.
إن فترة المراقبة البالغة 90 يومًا تمتحن صدق النوايا وحكمة الطرفين. كـ”محركين” للاقتصاد العالمي، كما أن تعاون الصين وأمريكا يصب في مصلحة الجميع.
اتفاق جنيف ليس نهاية المطاف، بل بدايةً لعلاقة جديدة تقوم على التفاوض المتكافئ. رغم العقبات المستقبلية، يبقى الحوار العادل البوابة الوحيدة لخلق مستقبل مشترك.