الرأييسلايدريشريط

قصة “بين الحب والوداع”

بقلم أحمد زيدان

في مدينة بعيدة عن صخب الحياة اليومية، حيث الجبال الشاهقة والبحيرات الزرقاء، كان هناك رجل يُدعى “سامي” يعيش حياة هادئة في مزرعته التي ورثها عن والده. كان سامي يُفضل العزلة، بعيدًا عن الناس، يزرع الأرض ويعتني بالحيوانات، ولا يتحدث إلا مع القليل من جيرانه. لكن كان في قلبه شيء مفقود، شعور يشده نحو شيء أكبر من الطبيعة التي تحيط به.

ثم جاء اليوم الذي تغير فيه كل شيء، عندما وصلت “ليلى”، امرأة من المدينة الكبيرة، لزيارة صديقة لها في تلك المنطقة. كانت ليلى جميلة بعيونها البنية العميقة وشعرها الأسود الذي يتناثر كالأمواج. كانت تحمل في قلبها عالمًا مليئًا بالذكريات الحزينة والأحلام التي لم تتحقق، لكن مع ابتسامتها كان كل شيء يبدو ممزوجًا بالأمل.

في يومٍ من الأيام، أثناء تجوالها في الريف، قررت ليلى أن تذهب في نزهة بالقرب من مزرعة سامي. كان سامي يعمل في الأرض حينها، وعندما رآها تقترب، نظر إليها بنظرة مفاجئة، كأنها كانت جزءًا من حلم قديم. توقفت ليلى على مسافة قصيرة منه، وأخذت نفسًا عميقًا.

“أنتَ الرجل الذي يعمل هنا؟” قالت ليلى بصوت ناعم.

“نعم، أنا سامي. هل تحتاجين إلى شيء؟” رد بصوت هادئ، لكنه كان يحمل شيئًا غير معهود، شيء كان يشدّه إليها بطريقة لم يفهمها.

ابتسمت ليلى بلطف وقالت: “لا، فقط كنت أتمشى… هذا المكان جميل جدًا.

“وكأن كلماتها كانت مفتاحًا لشيء لم يكن سامي يعلم بوجوده داخل قلبه. بدأ بينهما حديث صغير عن الأرض والطبيعة، عن الريف والجمال الذي لا يراه إلا من يشعر به في عمق قلبه. كانت كلمات ليلى تنساب مثل لحن هادئ، وكان سامي يستمع لها وكأن الزمن توقف.

ومع مرور الأيام، أصبحا يلتقيان أكثر. كان سامي يريها جمال المكان الذي يعيش فيه، وكان يُحضر لها الزهور البرية من الجبال المجاورة. في كل مرة كانا يتحدثان فيها، كان قلبه ينبض بشكل أسرع، وكان يشعر بشيء يتطور بينهما، شيء أعمق من الصداقة.

وفي ليلةٍ صافية، بينما كانا يراقبان السماء معًا في الحديقة، شعر سامي بشيء غريب يتدفق في عروقه. كانت ليلى بجواره، عيونها تتأمل النجوم بينما يدهما تلامس في لحظة عابرة، لكنها كانت كفيلة بإشعال نار في قلبه. نظر إليها بتردد، ثم همس، “ليلى… أنتِ تجعلين حياتي تبدو مختلفة. كل يوم معك هو يوم جديد.”

توقفت ليلى، وشعرت بقلبها يرفرف في صدرها. “سامي، أنا…” توقفت عن الكلام، ولكن عيونها أبلغت عن مشاعر كانت قد احتفظت بها لنفسها طويلًا. في تلك اللحظة، بدت المسافة بينهما وكأنها غير موجودة، وصار كل شيء في الكون يبدو مرتبطًا بهما، كما لو أن النجوم نفسها كانت تراقب هذين القلبين.

ثم جاء اليوم الذي حمل فيه الوداع طعمه المرّ. كان على ليلى العودة إلى المدينة، حيث وظيفتها وحياتها التي لا تستطيع الهروب منها. عند الفجر، وقبل أن تودع، وقف سامي أمامها، عينيه مليئتين بالحزن. كانت لحظة الوداع تتسلل ببطء إلى قلبه.

“أنتِ ستعودين إلى حياتك، وسأعود إلى حياتي هنا. ربما لا يكون هناك مكان لنا معًا في هذا العالم الكبير، لكن… لكنكِ ستبقين في قلبي دائمًا، ليلى.” قال سامي بصوت مخنوق.

لم ترد ليلى على الفور. ابتسمت بهدوء، ولكن قلبها كان يتمزق. “أنا لا أريد أن أرحل، سامي. لكن الحياة تأخذنا إلى أماكن أخرى أحيانًا. أعدك، لن أنساك أبدًا.”

وبينما كانت تغادر، أمسك سامي بيدها للمرة الأخيرة، قبل أن يتركها تذهب. كانت اللحظة مؤلمة للغاية، ولكنها كانت لحظة حقيقية. لحظة مليئة بالعواطف التي لن يمحوها الزمن.

وبينما كانت ليلى تختفي في الأفق، شعر سامي بشيء غريب. لم يكن الحزن فقط، بل كان هناك شعور بالسلام أيضًا. كانت حبها قد دخل قلبه، حتى وإن كانت قد رحلت.

وكانت ليلى، في مكان بعيد، تحمل في قلبها نفس الشعور. الحب الذي شعرت به في ذلك المكان الريفي لم يكن مجرد لحظة عابرة؛ بل كان شعورًا سيظل حيًا في قلبها إلى الأبد.

كانت قصة حبهما قصيرة، لكنها كانت أكثر عمقًا من أي قصة أخرى، لأنها لم تكن قصة عن أن يكونا معًا، بل عن أن يكونا في قلوب بعضهما البعض، إلى الأبد.

تقي صالح

تقى صالح كاتبة صحفية بموقع الواقع نيوز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى