«الإساءة اللفظية في الطفولة»خطر صامت يفوق الإيذاء الجسدي

في الوقت الذي ينصب فيه الاهتمام غالبًا على محاربة الإيذاء الجسدي للأطفال، تكشف دراسة جديدة عن وجه آخر لا يقل خطورة، بل قد يكون أشد أثرًا على الصحة النفسية: الإساءة اللفظية.
الدراسة، التي أجرتها جامعة ليفربول جون موريس البريطانية، حللت بيانات 20,687 بالغًا من إنجلترا وويلز، جُمعت بين عامي 2012 و2024، لتبحث في تأثير التجارب السلبية في مرحلة الطفولة على الصحة النفسية في مرحلة البلوغ. وشمل الاستطلاع أسئلة عن التعرض للإيذاء اللفظي أو الجسدي قبل سن 18، بالإضافة إلى تقييم الحالة النفسية الحالية باستخدام مقياس وارويك–إدنبرة القصير.
أرقام صادمة
أظهرت النتائج أن التعرض للإساءة اللفظية يزيد خطر تدهور الصحة النفسية بنسبة 64%، وهي نسبة تفوق ما رُصد لدى ضحايا الإيذاء الجسدي (52%). أما من تعرضوا لكلا النوعين، فقد ارتفعت النسبة لديهم إلى 115%.
ورغم تراجع معدلات الإيذاء الجسدي عبر العقود — من 20.2% بين مواليد السبعينيات إلى 10% فقط بين مواليد عام 2000 وما بعده — فإن الإساءة اللفظية تشهد منحنى صعوديًا مقلقًا. كما تبين أن 13.6% من ضحايا الإساءة اللفظية يعانون من العزلة الاجتماعية، مقارنة بـ 7.7% بين غير المتعرضين.
ضرر طويل الأمد
يشير الباحثون إلى أن الإساءة اللفظية لا تترك كدمات أو جروحًا مرئية، لكنها قد تخلّف ندوبًا نفسية عميقة تستمر لسنوات. وتشمل آثارها زيادة معدلات القلق والاكتئاب، وتعاطي المخدرات والكحول، إضافة إلى السلوكيات الخطيرة والعنيفة.
البروفيسور مارك بيلس، المشرف على الدراسة، شدد على أن النتائج لا تقلل من خطورة الإيذاء الجسدي، لكنها تسلط الضوء على ضرورة إدراج الإساءة اللفظية ضمن أولويات سياسات حماية الطفل وخطط علاج المتضررين، محذرًا من أن غياب الوعي والدعم قد يؤدي إلى استبدال نوع من الإساءة بآخر.
دعوة للتحرك
يؤكد الخبراء أن مواجهة الإساءة اللفظية تتطلب أكثر من مجرد سن القوانين؛ إذ تحتاج المجتمعات إلى وعي جماعي بخطر الكلمات الجارحة على نفسية الأطفال، وتوفير برامج دعم نفسي مبكر تقيهم من آثار قد تلازمهم مدى الحياة.