بقلم : أشرف عبودة
ليس هُناك أشد قسوةً وألماً على الشخص أكثرُ مِن أن يسمع نبأ وفاةِ صديقٍ كان أقربُ مِن أخٍ له. خاصةً إذا ما كان الصديق وفياً صادقَ الوعدِ لهذهِ الصداقة لآخرِ لحظةٍ قَبل أن يأخذهُ الموت مِن صديقه. على الرّغمِ مِن أنّ الموت حقٌ على كُلِ إنسان، إلا أنّهُ الأقسى والأصعب والأفجَع على النفسِ
دعنا نفترق، يا صديقى .. أنت لا تفهم كيف هو الفراق المفاجئ موجع جداً، الفراق الذي هكذا يكون بلا زمن محدد، ولا مكان، ولا فرص للقاء آخر، ولا حب آخر، دعنا نفترق يا صديقى .. لن تكون بحاجة لأي أعذار لغيابك، ولن أكون بحاجة لسؤالك عن هذا، سنتحدث كباقي الأصدقاء.. نتجادل ونضحك
كان اليوم طبيعيا جدا، الكل غارق فى مشاغله حتى جاء خبر موت صديق وآخى عاطف دعبس . جاء الخبر صادما، مات فجأة دون علة أو مرض، لم تصدمه سيارة ولم يصب فى حادث، فقد مات فى بيته فجأة. ثم تحولت مشاعرى إلى حالة من الانكار “لا أصدقُ أنه رحل، لا أصدق أنني لن آراه ثانية”. مات ليوقذنا مما نحن فيه.. أن نصحوَ ذاتَ صباحٍ ولا نَجِد صديق أقرَب من أخ لنا ، أن نفقدَ إنساناً عزيزاً، أَن تُفارِقنا روح عزيزة ولا تعود أبداً. لماذا يا صديقي، لماذا ذهبت بهذهِ السُرعة، لحظاتٌ وكأنك لم تكُن هُنا، كأنك لم تأتِ ولم أعرفك، وكأنك لم تدخل إلى هذهِ الدُنيا، آلمني فُراقَك يا غالي، لم تمر ساعات على رحيلك و تأتيني ذِكرياتُك، في لمحِ البصر تَمُرُ كُل المشاهد دَفعةً واحدة، ولا أدري هل تتسابق لتواسيني، أم أنها تخشى من أن تطولَ لحظاتِ الألم فتقتلني. لا أدري هل رماني القدر في طريقِك لاشهد رحيلك و حياتُك، أم أنه رَماك في طريقي لتزيد مِن عذابي وآلامي. لا أدري بما أعزي بهِ نفسي. لحظاتٌ رهيبةٌ مَرَت علي بسرعةِ البرق وثُقلِ الجبال. ، أدعوَ الله أن تكون مِن أهلِ الجنة.
ففى مشهد الموت الذى لا يستمر إلا لدقائق عظات وعبر يتغير لها ويتعظ بها الكثير. إنها تلك العاصفة، البتارة التي تقتحم حياة الناس، على حين غفلة منهم في سبل الحياة الدوارة، لتحول بينهم وبينها، وتنبه قلوبهم المستغلقة، وأذهانهم المستشردة، أنَّ الموت حاضرٌ مهما غاب، قريبٌ مهما بعد، لا نفارقه ولا هو يفعل؛ إذ قضت الحياة أن نخلق من رحم خلافه، وإلى كنفه نؤول في نهاية المطاف، في الجنازة لا معنى فوق معنى الموت؛ إذ الصخر صلد، جامد لا روح فيه، والأفق أصفر، لا خضرة ولا ندرة فيه، حتى وجوه المشيعين مقفهرة، كأنها مقبلة على موت متربص، أو كأن الحياة تستدينها، وها هنا سيكون الحساب، غير أن الناس على خلاف ما يبدون عليه، ما إن يوراى المتوفى في التراب، تشخص وجوههم، مقبلة على الحياة مرة أخرى، كأنها ما رأت للموت أثر، أو سمعت عنه خبر، كما يقول جرير شاعر عصره:
ومن هنا جاء نصيب صديقى العزيز المرحوم “عاطف دعبس” هو حب الناس و القبول كنز غالي لا يشترى بالمال ولا يطلب بالقوة ولا يغتصب بالمناصب بل هي نعمة من الله يضعها في القلوب ، فكلّ ما قدمه للنّاس من حب ومساعدتهم تحصل عليه ويجازيك الله عزّ وجلّ في الدنيا والآخرة
فإذا كان الله منحنا الحياة فهو لا يمكن أن يسلبها بالموت.. فلا يمكن أن يكون الموت سلباً للحياة.. وإنّما هو انتقال بها إلى حياة أخرى بعد الموت، ثم حياة أخرى بعد البعث، ثم عروج في السموات إلى ما لا نهاية.
وختاما، فلا نملك من أمرنا إلا الدعاء… (
اللَّهُمَّ، اغْفِرْ له وَارْحَمْهُ، وَاعْفُ عنْه وَعَافِهِ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بمَاءٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ، وَنَقِّهِ مِنَ الخَطَايَا كما يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِن دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِن أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا مِن زَوْجِهِ، وَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ).