بقلم تامر أفندي
ويا مصْر وان خيّروني
ما اسكن إلاكي و لجْل تتبِّسمي
ياما بابات باكي
تسقيني كاس المرار.. و برضُه باهواكي
بلدي ومالي إلا انتي ولو ظلمتيني
مقبولة منِّك جراح قلبي وْدموع عيني
الجرح يشْفى إذا بإيدك لمستيني.
كلّك حلاوَة.. وكلمة مصر.. أحلاكي
محبة غزلها وقع الحرف في القلب.. بداية متشابهة ومصائر مختلفة في الحياة لكنها لم تحيد عن السطر.. كلمات كمصابيح وشخصيات كانت قناديلا في عتمة الليل
التقيا قبل اللقاء ربما ذات مساء كان فيه الشجن ضيف، وضعا حقائبهما في قطار الحياة القادم من صعيد مصر، إلى حيث الحلم.. مخطئ من يلقي نظرة عابرة ويظن أن الطريق كان سهلا فلم تكن حينها إجابات إلى أين معروفة فما بين الغروب والشمس ثمة ليل تتوه فيه الخطوات وتسقط فيه الهامات ويولد من رحمه الصبح.
لقاءات عدة عبر شطر من بيت، قبل أن تتعرض شجرة المحبة لعاصفة غضب جراء “مزحة” بمكتب اللواء رؤوف المنياوي عام 94، كان الشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودي، والموسيقار جمال سلامة، يجهزان لأوبريت الشرطة” حراس الوطن”.. وحينها داعب عبد الرحيم الخال حينما رآه وقال له: زمان كان الوطن من غير زنازنهم خيانة، دلوقتي يا خال الوطن من غير كابتشينهم خيانة.
غضب الابنودي من عبد الرحيم لفترة، حتى تواصل معه وشرح له انها كانت مجرد دعابة، وأنه مدرك لطبيعة المرحلة، وكانت فيه التيارات السياسية مصطدمة مع الدولة.. وكان على الجميع الاصطفاف حول الكيان الأهم فلا مجال لخلافات ومصر في حالة حرب.
للخال في قلب “علي” مكانة كبيرة ويحفظ الكثير من اشعاره ولعل الأقرب إلى قلبه “الخواجة لامبو مات” والتي يحفظها عن ظهر قلب حتى أن أولاده حفظوها منه.
يا قمر يا بو عمر لسه
العباد ع الحانة كابسة
عاوزه تنسى..عاوزه تنسى
والغناي لو يسكروا
يبقى لجل يفكروا
يسرقوا م المسروقين
وجيتاره.. كان عجوز زيه تمام
انما.. لُه في الكلام..
لامبو ما كانلوش سكن..
والحياة في قريته مالهاش تمن
كان “علي” في لحظات الشجن أو الاننشاء يستحضر من داخله “جني” الشعر الذي سكنه ولم يغادره برغم انغماسه في “البحث” ومواجهة خفافيش الليل، كان يحفظ للجميع حتى لأصدقائه القدامى الذين لم تر قائدهم النور، وكان يستدعي الشعر لموقفه يدلل به أو يضعه كالنقاط على الحرف فيتجلى ويتضح الوصف، وكانت للخال في قلبه منزلة خاصة حتى أنه وصفه “في إحدى مقالاته ب”مسيح الشعر والثورة” وقال: “يعدون على أصابع اليد الواحدة هؤلاء الذين ورطونا في هذا العالم، عالم عشق الشعر والوطن والحياة، الخال كان واحدا منهم”.
محبة الخال في قلب عبد الرحيم علي لم تقف عند هذا الحد بل اختار أن يفتتح حلقات برنامجه الأشهر “الصندوق الأسود” بأبيات من قصائد الأبنودي.
لم يكن موقف أوبريت” حراس الوطن” هو لحظة الشد والجذب الوحيدة في علاقتهما، ولكن كانت هناك واقعة شهيرة بينهما عاتب فيها عبد الرحيم الخال حينما غلبت عاطفة الشاعر على تقديره للموقف بعد يناير 2011
فكتب:
والفجر يطلع تحجبه العسكر
وأنت بتكتب سكة للجايين
حينها أخبره “علي” أن هناك من اختطف الثورة وتآمر على مصر، وفي الكواليس ما لا يعرفه وأن الحقائق ستتكشف، وسرعانا ما تأكد للخال من المؤامرة كانت كبيرة على مصر وأن قوى الشر خدعت الكثير من الشعب.. فكتب الخال:
يا زارع الغل
مصر بتزرع الغلة
وإنت كداب
خلطت البلطجة بملة
اللي رشاك بالتمن
وقالك اقتلني
أنا وأنت وسط اللهيب
وهو في الضلة
ويا مصر لا رجعة من تاني
ولا تفريط.
المتخدع مرتين..
سامحيني يبقى عبيط
يا اللي فتحتي البيبان للنور يخش الدور
ما ترجعيش للضلام
ومعاشرة الوطاويط
دامت العلاقة بين “الخال” وعبد الرحيم علي حتى قبل رحيل الأبنودي، حيث أوصى “علي” بأن يظل كما عهده يطارد الخونة حتى قبورهم.. ثم كتب له آخر الكلمات كإهداء على نسخة ديوانه الأخير “مربعات الأبنودي”: “إلى الرجل الشجاع، الذي كشف كذب البتاع والبتاعة، والذي يستمد شجاعته من حلم يحاول أن يقبض عليه ويجلبه لشعبه وثورته، إلى أخي عبد الرحيم علي، أمده الله بشجاعة المواصلة نحو النور.