«سوريا» هل هي بداية الاستقرار أم نفق جديد للفوضى؟
بقلم أحمد زيدان
لم تكن سوريا، عبر العقد الأخير، سوى مرآة للوجع العربي الممتد في أكثر من قطر. فقد شهدت هذه الأرض، الغنية بتاريخها وثقافتها، واحدة من أقسى الحروب التي عرفها العالم الحديث. وبينما تتحدث بعض الأطراف عن بوادر انفراج في الأزمة، يرى آخرون أن ما يحدث قد يكون بداية جديدة للفوضى والصراعات الداخلية، شبيهة بما شهدته ليبيا والعراق، أو ما يتكرر في السودان وتونس بأساليب مختلفة.
مستقبل “التورتة السورية”؟
كما حدث في ليبيا، حيث أصبحت الصراعات بين الفصائل والتنظيمات المسلحة على “الكعكة السياسية” أهم من بناء الدولة، هناك تخوف كبير من أن يعيد التاريخ نفسه في سوريا. فبعد أكثر من عشر سنوات من الصراع، أصبحت القوى الدولية والإقليمية شريكة غير مباشرة في تحديد مسار البلاد، بينما يبدو الشعب السوري، الضحية الأكبر، متروكاً ليواجه مصيره بين أنقاض وطن منهك.
إذا استمرت الصراعات بين التنظيمات المسلحة والفصائل السياسية المدعومة من أطراف خارجية، فإن الحديث عن الاستقرار قد يصبح ضرباً من الخيال. فما بين تقسيم المناطق، وتعدد الولاءات، وضغوط الأطراف الإقليمية والدولية، تبدو سوريا اليوم ساحة لتصفية الحسابات لا أكثر.
تشابه المصائر العربية
ما حدث في ليبيا هو درس يجب أن يعيه الجميع. فبعد سقوط النظام السابق، تحولت البلاد إلى ساحة للفصائل المتناحرة، ولم تستطع المؤسسات الرسمية استعادة السيطرة، مما جعل الشعب الليبي يدفع الثمن غالياً من أمنه واستقراره.
أما في العراق، فقد أخذ الصراع شكلاً طائفياً إلى حد كبير، حيث استغلّت القوى الخارجية الانقسامات الداخلية لتعميق الأزمات. وفي السودان، يبدو الانقسام بين الجيش والدعم السريع نموذجاً آخر على كيف تتحول الخلافات الداخلية إلى صراع مفتوح يلتهم الأخضر واليابس.
حتى تونس، التي لطالما كانت “أيقونة الربيع العربي”، لم تسلم من التدخلات والانقسامات السياسية، حيث باتت تعاني من أزمة اقتصادية وسياسية خانقة تضع مستقبل الديمقراطية فيها على المحك.
الشعب هو الضحية الأكبر
في كل هذه السيناريوهات، يدفع الشعب الثمن الأكبر. ففي سوريا، يعيش الملايين تحت خط الفقر، ويتوزع ملايين آخرون بين مخيمات اللجوء في دول الجوار أو الشتات العالمي. ومع كل يوم تأخير في إيجاد حل شامل ومستدام، تزداد معاناة الشعب السوري، الذي لا يريد سوى استعادة أمنه واستقراره.
أين المخرج؟
لن تستقر سوريا – أو أي دولة عربية – إلا إذا تم وضع مصالح الشعوب فوق كل الاعتبارات السياسية والطائفية. الحل يجب أن يكون سورياً خالصاً، بعيداً عن التدخلات الأجنبية. لا بد من بناء دولة مؤسسات حقيقية تحترم التنوع وتضمن حقوق الجميع دون استثناء.
الدول العربية، وخاصة القادرة منها، مدعوة اليوم لتحمل مسؤولياتها التاريخية. لا يمكن أن تبقى الصراعات الدموية تُدار وكأنها مباريات شطرنج بيد قوى خارجية، بينما الشعوب تعاني. إن بناء جسور السلام وإطلاق مشاريع تنموية حقيقية قد يكون المدخل الحقيقي لإنقاذ سوريا وغيرها من الدول العربية التي تواجه أزمات مشابهة.
كفى عبثاً بالشعوب
في نهاية المطاف، الأوطان لا تُبنى على الجماجم والخراب. ما يحدث في سوريا، وفي دول عربية أخرى، يفتح الباب لتساؤل ملح: إلى متى سنظل نكرر الأخطاء ذاتها؟ إذا كان الماضي مليئاً بالدماء، فلا يجب أن يكون المستقبل كذلك. الأمل الوحيد هو أن تنتصر إرادة الشعوب على كل ما عداها، وأن يعلو صوت الحياة على أصوات الرصاص والانقسامات.