رجل انتفض شعبه ضده «رؤية استباقية أم جنون سياسي»
بقلم أحمد زيدان
كان رجلًا استثنائيًا في زمانه، تجرأ على التفكير خارج إطار المألوف، وخاطر بمستقبله السياسي في سبيل فكرة اعتبرها البعض جنونية. وقف أمام شعبه ذات يوم ليقول بجرأة: “لابد من عمل اتحاد للدول العربية المتحدة بجيش عربي موحد”. لم تكن كلماته مجرد أمنيات، بل مشروعًا مستقبليًا أراد به تحقيق حلم الوحدة العربية والتصدي للأطماع الخارجية.
لكن ما كان طموحًا لرجلٍ، اعتبره آخرون تهورًا، بل اتهموه بالجنون. رأوا في دعوته انقلابًا على الواقع العربي المجزأ الذي اعتادوه، ولم يستوعبوا أن ما حذّر منه قد يتحقق. فبدل أن ينصتوا له، انتفضوا ضده، واعتبروا أفكاره تهديدًا لأوطانهم.
لم يكن الرجل يتحدث من فراغ، بل استند إلى قراءة عميقة للأحداث العالمية والإقليمية. أدرك مبكرًا أن الاحتلال الإسرائيلي لن يتوقف عند حدوده، وأن مشروعه التوسعي سيطال الأراضي العربية. وأثبتت الأيام صحة توقعاته عندما وقف بنيامين نتنياهو على مرتفعات الجولان معلنًا عن سيادة إسرائيل عليها. كما توسعت الأطماع في سوريا، لتتحول أراضيها إلى ساحة صراع دولي.
كان الرجل على وعي بمخططات الماسونية العالمية، التي لم تكن بعيدة عن الساحة. رأى أن الهدف لم يكن فقط السيطرة على الأراضي العربية، بل أيضًا تفكيك الهوية العربية والإسلامية من الداخل. وجدت الماسونية طريقها إلى تمويل جماعات إسلامية متطرفة، تحولت إلى أدوات للفوضى والتفكيك بحجة الدين. استُخدمت هذه الجماعات لتشويه صورة الإسلام، وإثارة الفتنة بين أبناء الوطن الواحد.
اليوم، وبعد مرور الزمن، تعود كلماته لتطرق أبواب التاريخ، كأنها صرخة تحذير أُطلقت في غير أوانها. لم يكن الرجل مجنونًا كما اتهمه شعبه، بل كان صاحب رؤية بعيدة المدى. كان يدرك أن وحدة الصف العربي هي الحل الوحيد للتصدي للأطماع الخارجية والمؤامرات الداخلية.
لكن ما بين الأحلام والتطبيق، ضاعت الفرص، واستمر التشتت العربي في مواجهة عالم لا يعترف إلا بالقوة. لقد علّمنا التاريخ أن الأفكار العظيمة قد تحتاج إلى زمن أطول لتجد من يؤمن بها ويعمل على تحقيقها.
درس للأجيال القادمة
ما حدث مع هذا الرجل هو درس للأجيال القادمة. قد يكون التغيير صعبًا ومليئًا بالتحديات، لكن التخلي عن الأحلام الكبيرة هو الخسارة الحقيقية. على العرب أن يتعلموا من أخطائهم، وأن يدركوا أن الوحدة ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية في مواجهة عالم لا يرحم الضعفاء.
إن التاريخ لا يرحم، والأوطان لا تحيا إلا بعقول مستنيرة تجرؤ على الحلم والعمل لتحقيقه. فهل ستأتي اللحظة التي يتوقف فيها العرب عن معاداة أحلامهم، ويبدأون ببناء مستقبلهم بأيديهم؟