الرأي

غوشيه وكونت وعمران.. كلام مش في السياسة

بقلم تامر أفندي

حادثة على الطريق صباحًا كانت السبب في كتابة هذا المقال.. أما عن سبب الحادثة فهو الاحتيال.. ماذا أعني؟..

أعني أن أحد السائقين في اليسار حاول القفز فجأة إلى اليمين حينما رآه “مفتوحا”، ثم ما لبث أن عاد لليسار وظل يتأرجح بين اليسار واليمين “وإحنا مش فاهمين”.

حوادث الطريق غالبًا لا يصنعها العوام الذين لا يغادرون حارة المنتصف، والتي أكاد أجزم أنها الأكثر تضررًا من تلك الحوادث “فالغريب أعمى ولو كان بصيرًا”.

أزمة قادة اليسار أن مهارتهم صنعت لهم قدرًا من التهور لا يمكن كبحه في بعض الأحيان، والعقلاء منهم قضوا نحبهم وما تبقى منهم لم يعد قادراً على المشاكسة ولا على القيادة والجيل الجديد منهم يساري مرن مثل “الأستيك” غير مضمون ولائه.. يريد كل شئ.. مهارة اليسار وسرعة اليمين واستعمال كل مرايا السيارة.

قبل أن أحكي لكم عن أزمة قائد الطريق هنا.. أود أن أحكي لك عن «أندريه كونت» الفتى الفرنسي الذي أصبح فيلسوفاً فيما بعد.. إذ قال “كونت” لأبيه “ماذا يعني اليمين واليسار يا أبي؟”.. فقال له: “أن تكون يمينياً يعني أنك تريد عظمة فرنسا.. أن تكون يسارياً يعني أنك تريد سعادة الفرنسيين”.. إذاً إما عظمة وإما سعادة يا “أندريه”..!وتفيد القصة الشهيرة أن مصطلحي “اليمين” و”اليسار” ولدا من ترتيب الجلوس في الجمعية الوطنية للثورة الفرنسية عام 1789، إذ تحرك أنصار الملك والنظام تدريجياً صوب يمين الرئيس، فيما انتقل أنصار الحرية والمساواة إلى اليسار.

أما غوشيه فينتقد ذلك ويفضي في بحثه “نشأة الديموقراطية.. الثورة الحديثة” من أن ما سبق ذكره تبسيطًا السرد التاريخي، مشيراً إلى أن استعارة اليسار واليمين اكتسبت أهميتها السياسية الكبيرة وعالميتها مع نمو الاشتراكية الديمقراطية.. ويقول إن هذا التصنيف الذي كان ينطبق في البداية على ترتيبات الجلوس البرلمانية، أصبح في النهاية يرمز إلى صراعات أيديولوجية أعمق حول المساواة، والعدالة الاجتماعية، وتنظيم المجتمع.أعود بكم من هناك إلى هنا.. حيث أزمة قائد الطريق الآن تسييل حركة المرور وإحداث توازن في الحارات، في محاولة لإزالة التلفيات التي أحدثها الحزب الأوحد.

لقد أجرينا لمدة سنوات تجارب عدة كتلك التي فعلها العالم «أيوب» في فيلم “واحدة بواحدة” ليخترع شيئا من اللاوجود حتى وإن كان “فنكوش” لكننا لم ننجح.. فقد حاولنا نقل بعضًا من سائقي اليمين إلى اليسار لكن من تعود على تلك الحارة في الطريق يصعب عليه تغييرها.. “يستحضرني هنا دون أن أجد علاقة لما أكتبه بين الطريق والسياسة، ولكنها آفة الكاتب ولزمته في الإسقاطات، وإيجاد تشبيهات مناسبة للحالة، هل تتذكرون قبل شهور خرج البعض ومن أبرزهم الأستاذ مصطفى بكري؟ ينتقد أداء الحكومة.. ويتحدث عن معاناة المواطن لكن حديثه ومشاعره النبيلة لم تجد اهتمامًا من العوام مع أنه يجمع في جعبته صفات “اليساري الأستيك” و”اليمين المتماهي”.

لم تقف الأفكار عند المحاولة السابقة، بل في محاولة جديدة، حاولنا تطبيق قواعد اليمين على اليسار مادام لديه شغف القيادة “ولدينا في نقابة الصحفيين نموذجاً” إلا أنه ولو استجاب لبعض الوقت ستدفعه غريزته إلى كسر الإشارة.ولأننا نريد سرعة الإنجاز في كل شئ حتى في الفكر الذي يحتاج إلى مهل.. كان علينا هدم المنازل والنماذج والقواعد والتجارب والمُثل، وإنشاء تجربة جديدة تؤسس على توسعة الطريق وتسييل الحارات لتقليل الحوادث ولكنها على عكس المتوقع زادت، ففي اليمين بات هناك جبهتين تتناحرا “كما حدث في ملفات كثيرة منها القطاع المعماري والعقاري والإعلام والصحافة”.. وفي اليسار بات هناك جبهات كثيرة “منها الصلد ومنها الصلب ومنها الأستيك”.

وكانت المحاولة الأخيرة ترك اليمين كما هو إذ يصعب تغيير قواعده.. وترك اليسار كما هو إذ يصعب قيادته.. وعلينا إذًا إنشاء خليط جديد أو إن شئت قل حركة أو جبهة أومركبة.. لا يهمنا الاسم بقدر ما يشغلنا المحتوى.. هذه الفكرة تقوم على أساس خلط بعض القيادات من اليمين على بعض القيادات المرشحة من “اليسار الأستيك” وصهرهم في بوتقة واحدة مع بعض التوابل الشعبية والفنية والإعلامية، لتبدوا وكأنها منتج جديد أفرزته تجربة ديموقراطية تمت في “علم الغيب”.

لكن ما إن خرجت تلك التجربة للنور إلا ورأينا ما لايبشر إذ أنه من المنطق أن يتريث القائمون عليها في الحديث وينتقوا الكلمات ويتعلموا من الأخطاء، لكن ما حدث لهذا الوليد بعد فترة مخاض قصيرة كانت عبارة عن اجتماعات سرية.. أن قالوا نحن لا إلى اليمين ولا إلا اليسار.. ونحن لسنا حزباً ولا حركةً وإنما نحن مدرسة لتعليم السياسة أو “السواقة”.. “غريبة تلك المدرسة التي تدفع مقابل للراغبين في تحرير استمارة تعليم!.. لكن لا شئ غريب”.

“وهنا أيضا يستحضرني.. موقفين، أما أولهما فبعيداً كل البعد عن “رشوان” فأنا أقصد بحديثي، “عمران” حتى لا يختلط الأمر في الأذهان.. تلك الشخصية التي كان يؤديها “محي إسماعيل” في رائعة صلاح جاهين وحسن الإمام “خلي بالك من زوزو”.. إذ كان يرفع شعاراً لا علاقة له بالموقف.. فيقول بين الفرقاء “جمعاء” وما زلت حتى الآن لا أجد سبباً لرفضه رقص “زوزو” ثم موافقته وتشجيعها وتكريمها.

أما الموقف الثاني ما قاله العملاق وحيد حامد في مذكراته “الفلاح الفصيح” التي كتبها طارق الشناوي”.. إذ يقول “حامد: عن سر تحويل الرواية إلى عمل سينمائي يُعرض في “السينمات والشوارع: «وجدت سطرًا في القصة لفت انتباهي فلقطتها وعملت الراقصة والسياسي”.. السطر الذي وجده وحيد حامد في “الراقصة والسياسي”، كان جملة تقولها سونيا سليم: “أنت بترقص بلسانك وأنا برقص بوسطي”.

يا ليت قائد الطريق يعلم أن بعض الأمور لا يمكن اختصار توقيت تشييدها.. ولا ينفع فيها الوصاية.. بل تحتاج أن تٌترك تتناحر وتتوافق وتأخذ مساراتها ومن ثم تطرح ثمارها.. أما وأننا لم نفعل ذلك فلا تسألني لا أنا ولا غيري فنحن لا نعرف منين بيودي على فين..!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى