الرأي

صديقي، مر 210 يومًا

بقلم أحمد زيدان

أتعلم يا صديقي؟ 210 يومًا قد تبدو للبعض مجرد أرقام تمر دون أثر، لكنها بالنسبة لي كانت كافية لتعرية الروح وكشف خواء العمر. 210 يومًا قضيتها في مرآة الوحدة، أراقب فيها وجهي الذي لم أعد أعرفه. كانت الأيام تمر ثقيلة، تطرق أبوابي لتذكرني بخيبتي، خيبتي في زراعة حديقة لم تكن يومًا حديقتي، في حرث أرض لم تكن يومًا أرضي.

خمسة عشر عامًا، خمس عشرة دائرة من المواسم، كنت أزرع وأنتظر الحصاد. أروي شجرة لم تثمر، أعتني بورود ذبلت قبل أن تزهر. كنت أؤمن أن كل بذرة تحمل وعدًا، لكن الأرض التي كنت أحرثها لم تكن صالحة لزرعي، أو ربما لم تكن صالحة لي.

ثم جاء هؤلاء الـ210 يومًا، كأنها رسالة من الزمن تقول لي: كفاك إهدارًا. كانت كفيلة بأن تجف أعوادي، أن تتقشر أوراقي، أن ينطفئ داخلي. لكن يا صديقي، وسط كل هذا الخراب، ربما كان الجفاف نعمة. أتعلم لماذا؟ لأنه يكشف الحقيقة. الجفاف لا يكذب، يقول لك إن ما كنت تبنيه ليس لك، وإن ما كنت تسقيه لم يكن يستحق الماء.

اليوم، وأنا أنظر إلى هذه الأيام، لا أملك سوى شعور غريب بين الأسى والراحة. الأسى على ما مضى، والراحة لأنني أدركت أخيرًا أنني كنت أعيش في سراب. ربما ما زلت وحيدًا، لكنني على الأقل لم أعد أزرع في أرض الغير.

210 يومًا يا صديقي، كانت كافية لتحررني من عبودية الماضي. والآن، أبحث عن أرضي. الأرض التي تقبلني كما أنا، وتثمر معي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى