«الوردة والكراسة» مبادرة مرور الغربية ورسالة إنسانية للمجتمع

بقلم إسلام الخياط
في صباحٍ مزدحم بالفرحة والرهبة التي ترافق أول أيام العام الدراسي، لم يكن مشهد الأطفال بزيّهم المدرسي الجديد وحده هو المختلف، بل الحضور المبهج لرجال المرور أمام أبواب المدارس بمدينة طنطا، بقيادة اللواء وائل حمودة مدير إدارة المرور بالغربية، الذين وزّعوا الورود والكراريس والأقلام على التلاميذ في بادرة إنسانية نادرة تحمل الكثير من الدلالات.
قد تبدو هذه الخطوة بسيطة في ظاهرها، لكنها في حقيقتها تحمل قيمة عميقة؛ فهي تجسيد عملي لفكرة أن الأمن ليس مجرد قوانين تُطبَّق أو شوارع تُنظَّم، بل هو حضور إنساني يلمس حياة الناس في تفاصيلها الصغيرة، ويغرس الطمأنينة في نفوس الأجيال منذ نعومة أظافرهم.
حين يرى الطفل رجل المرور وهو يبتسم له ويهديه وردة أو كراسة، فإن صورته الذهنية عن “رجل الشرطة” تتشكل على نحو مختلف. لم يعد ذاك الشخص الصارم الذي يُلوِّح بالمخالفة، بل صار رمزًا للطمأنينة، يمد يده ليشارك الصغار فرحتهم، ويربط فكرة النظام والالتزام بالحب والعطاء، لا بالخوف والعقاب. هذه الرسائل غير المباشرة، التي تصل للطفل دون أن يشعر، قد تكون أقوى من عشرات الدروس النظرية عن احترام القانون.
أما أولياء الأمور، فقد وجدوا في هذه اللفتة ما يطمئنهم على أبنائهم، فوجود الشرطة بجوار المدرسة يعني حماية مرورية، وانضباطًا في الشارع، وأيضًا رسالة إنسانية تعكس اهتمام الدولة بأبنائهم في لحظة فارقة من عمرهم. وهو ما يرفع الثقة بين المواطن ومؤسسات الأمن، ويعيد التأكيد على أن العلاقة بين الطرفين ليست علاقة سلطة فقط، بل علاقة شراكة مجتمعية.
ما فعلته إدارة مرور الغربية يمكن اعتباره نموذجًا لما نحتاجه في مجتمعنا اليوم: مبادرات تُعيد الجسر بين المواطن ورجل الأمن، وتغرس في الأجيال الجديدة صورة مشرقة عن مؤسسات الدولة. نحن بحاجة إلى أن يرى الطفل أن القانون ليس عدوًا له، بل هو مظلة تحميه، وأن الشرطي ليس غريبًا عنه، بل هو قريب منه بالقدر الذي يجعله يهديه وردة في أول يوم دراسة.
المبادرة التي يمكن أن نطلق عليها “الوردة والكراسة” تختصر فلسفة عميقة؛ الوردة رمز للحب والطمأنينة، والكراسة رمز للعلم والمعرفة. وعندما يجتمع الحب مع العلم، فذلك هو الطريق لبناء مجتمع متوازن، يحترم النظام ويؤمن بالتعليم ويقدّر قيم الإنسانية.
في النهاية، قد نختلف حول تفاصيل كثيرة في حياتنا اليومية، لكننا جميعًا نتفق على أن الطفل هو البداية والنهاية لأي مشروع حضاري. ولذا، فإن كل لفتة إنسانية تُقدَّم لأطفالنا، مهما بدت صغيرة، هي في جوهرها استثمار في المستقبل. وما قام به مرور الغربية في طنطا هو رسالة أمل بأننا قادرون على صنع جيل يحترم النظام، ويثق في مؤسسات بلده، وينشأ على فكرة أن الأمن ليس قيدًا بل سندًا.